فصل: ومن باب الطيرة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب الخط وزجر الطير:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا عوف حدثنا حيان بن العلاء حدثنا قَطَن بن قَبيصة عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «العيافة والطيرة والطرق من الجبت».
قال الشيخ: قد فسره أبو عبيد فقال العيافة زجر الطير يقال منه عفت الطير أعيفها عيافة، قال ويقال في غير هذا عافت الطير تعيف عيفًا إذا كانت تحوم على الماء وعاف الرجل الطعام يعافه عيافًا وذلك إذا كرهه.
قال وأما الطرق فإنه الضرب بالحصى ومنه قول لبيد:
لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى ** ولا زاجرات الطير ما الله صانع

قال واصل الطرق الضرب، ومنه سميت مطرقة الصائغ والحداد لأنه يطرق بها أي يضرب بها.
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن الحجاج الصواف حدثني يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي قال: «قلت يا رسول الله ومنا رجال يخطون قال كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك».
قال الشيخ: صورة الخط ما قاله ابن الأعرابي ذكره أبو عمر، عَن أبي العباس أحمد بن يحيى عنه، قال يقعد الحازي ويأمر غلامًا له بين يديه فيخط خطوطًا على رمل أو تراب ويكون ذلك منه في خفة وعجلة كي لا يدركها العدّ والإحصاء ثم يأمره فيمحها خطين خطين ابني عيان أسرعا البيان فإن كان آخر ما بقى منها خطين فهو آية النجاح وإن بقي خط واحد فهو الخيبة والحرمان.
وأما قوله: «فمن وافق خطه فذلك» فقد يحتمل أن يكون معناه الزجر عنه إذا كان من بعده لا يوافق خطه ولا ينال حظه من الصواب لأن ذلك إنما كان آية لذلك النبي فليس لمن بعده أن يتعاطاه طمعًا في نيله والله أعلم.
وقد ذكرنا هذا المعنى أو نحوه فيما مضى من هذا الكتاب.

.ومن باب الطيرة:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير أنبأنا سفيان عن سلمة بن كُهيل عن عيسى بن عاصم عن زِر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الطيرة شرك وما منا إلاّ ولكن الله يذهبه بالتوكل».
قال الشيخ: قوله: «وما منا إلاّ» معناه إلاّ من يعتريه التطير وسبق إلى قلبه الكراهة فيه فحذف اختصارًا للكلام واعتمادًا على فهم السامع، وقال محمد بن إسماعيل كان سليمان بن حرب ينكر هذا ويقول هذا الحرف ليس من قول رسول الله وكأنه قول ابن مسعود رضي الله عنه.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني والحسن بن علي قالا: حَدَّثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري، عَن أبي سلمة، عَن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى ولا صفر ولا هامة، فقال أعرابي ما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها البعير الأجرب فيُجْربها، قال فمن أعدى الأول» قال معمر، قال الزهري فحدثني رجل، عَن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يوردن مُمرض على مُصح» فقال فراجعه الرجل فقال أليس قد حدثتنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا عدوى ولا صفر ولا هامة»، قال لم أحدثكموه، قال الزهري قال أبو سلمة قد حدث به وما سمعت أبا هريرة نسي حديثًا قط غيره.
قال الشيخ: قوله: «لا عدوى» يريد أن شيئًا لا يعدي شيئًا حتى يكون الضرر من قبله وإنما هو تقدير الله جل وعز وسابق قضائه فيه ولذلك قال فمن أعدى الأول. يقول إن أول بعير جرب من الإبل لم يكن قبله بعير أجرب فيعديه وإنما كان أول ما ظهر الجرب في أول بعير منها بقضاء الله وقدره فكذلك ما ظهر منه في سائر الإبل بعد. وأما الصفر فقد ذكره أبو عبيد في كتابه، وحكي عن رؤبة بن العجاج أنه سئل عن الصفر فقال هي حية تكون في البطن تصيب الماشية والناس قال وهي أعدى من الجرب، قال أبو عبيد فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم أنها تعدي قال، وقال غيره في الصفر أنه تأخيرهم المحرم إلى صفر في تحريمه.
قال وأما الهامة فإن العرب كانت تقول إن عظام الموتى تصير هامة فتطير أبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من قولهم.
قلت: وتطير العامة اليوم من صوت الهامة ميراث ذلك الرأي وهو من باب الطيرة المنهي عنها.
وأما قوله: «لا يوردن مُمرض على» مُصح قال الممرض الذي مرضت ماشيته والمصح هو صاحب الصحاح منها، كما قيل رجل مضعف إذا كانت دوابه ضعافًا، ومقوٍ إذا كانت أقوياء، وليس المعنى في النهي عن هذا الصنيع من أن المرضى تعدي الصحاح، ولكن الصحاح إذا مرضت بإذن الله وتقديره وقع في نفس صاحبه أن ذلك إنما كان من قبل العدوى فيفتنه ذلك ويشككه في أمره فأمر باجتنابه والمباعدة عنه لهذا المعنى.
وقد يحتمل أن يكون ذلك من قبل الماء والمرعى فتستوبله الماشية فإذا شاركها في ذلك الماء الوارد عليها أصابه مثل ذلك الداء والقوم بجهلهم يسمونه عدوى وإنما هو فعل الله تبارك وتعالى بتأثير الطبيعة على سبيل التوسط في ذلك والله أعلم.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبد الرحيم البرْقي أن سعيد بن الحكم حدثهم أنبأنا يحيى بن أيوب حدثني ابن عجلان حدثني القعقاع بن حكيم وعبيد الله بن مقسم وزيد بن أسلم، عَن أبي صالح، عَن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا غُولَ».
قال الشيخ: قوله: «لا غول» ليس معناه نفي الغول عينًا وإبطالها كونًا، وإنما فيه إبطال ما يتحدثون عنها من تغولها واختلاف تلونها في الصور المختلفة وإضلالها الناس عن الطريق وسائر ما يحكون عنها مما لا يعلم له حقيقة. يقول لا تصدقوا بذلك ولا تخافوها فإنها لا تقدر عل شيء من ذلك إلاّ بإذن الله عز وجل، ويقال إن الغيلان سحرة الجن تسحر الناس وتفتنهم بالإضلال عن الطريق والله أعلم.
قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا عدوى ولا طِيَرة ويعجبني الفأل الصالح. والفأل الصالح الكلمة الحسنة».
قال الشيخ: قد أعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن الفأل إنما هو أن يسمع الإنسان الكلمة الحسنة فيفأل بها أي يتبرك بها ويتأولها على المعنى الذي يطابق اسمها وأن الطيرة بخلافها وإنما أخذت من اسم الطير، وذلك أن العرب كانت تتشاءم ببروح الطير إذا كانوا في سفر أو مسير، ومنهم من كان يتطير بسنوحها فيصدهم ذلك عن المسير ويردهم عن بلوغ ما يمموه من مقاصدهم فأبطل صلى الله عليه وسلم أن يكون لشيء منها تأثير في اجتلاب ضرر أو نفع، واستحب الفأل بالكلمة الحسنة يسمعها من ناحية حسن الظن بالله.
وأخبرني الكراني حدثنا عبد الله بن شبيب حدثني المنقري حدثنا الأصمعي قال سألت ابن عون عن الفأل، قال هو أن تكون مريضًا فتسمع يا سالم أو تكون طالبًا فتسمع يا واجد.
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا يحيى أن الحضرمي بن لاحق حدثه عن سعيد بن المسيب عن سعد بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لا هامة ولا عدوى ولا طيرة وإن تكن الطيرة في شيء ففي المرأة والفرس والدار».
قال الشيخ: معنى الطيرة التشاؤم وهو مصدر التطير، يقال تطير الرجل طيرة كما قالوا تخيرت الشيء خيرة ولم يجئ من المصادر على هذا القياس غيرهما.
وجاء من الأسماء على هذا المثال حرفان التوَلة في نوع من السحر وسبي طيبة يقال هذا سبي طيبة أي طيب.
وأما قوله: «إن تكن الطيرة في شيء ففي المرأة والفرس والدار» فإن معناه إبطال مذهبهم في الطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء ونحوها، إلاّ أنه يقول إن كانت لأحدكم دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس لا يعجبه ارتباطه فليفارقها بأن يتنقل عن الدار ويبيع الفرس، وكان محل هذا الكلام محل استثناء الشيء من غير جنسه. وسبيله سبيل الخروج من كلام إلى غيره، وقد قيل إن شؤم الدار ضيقها وسوء جوارها وشؤم الفرس أن لا يغزى عليها وشؤم المرأة أن لا تلد.
قال أبو داود: حدثنا مخلَّد بن خالد وعباس العنبري المعنى قالا: حَدَّثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن يحيى بن عبد الله عن بحير أخبرني من سمع فروة بن مُسيك قال: «قلت يا رسول الله أرض عندنا يقال لها أرض أبين هي أرض ميرتنا وريفنا وإنها وبيئة أو قال وباؤها شديد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعها عنك فإن من القرف التلف».
قال الشيخ: ذكر القتبي هذا الحديث في كتابه وفسره قال: القرف مداناة الوباء ومداناة المرض، ويقال أرض قرف أي محمة، قال وكل شيء قاربته فقد قارفته.
قلت: وليس هذا من باب العدوى وإنما هو من باب الطب فإن استصلاح الأهوية من أعون الأشياء على صحة الأبدان وفساد الهواء من أضرها وأسرعها إلى إسقام البدن عند الأطباء وكل ذلك بإذن الله ومشيئته لا شريك له فلا حول ولا قوة إلاّ به.
قال أبو داود: حدثنا الحسين بن يحيى حدثنا بشر بن عمر عن عكرمة بن عمار عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «قال رجل يا رسول الله إنا كنا في دار كثير فيها عددنا كثير فيها أموالنا فتحولنا إلى دار أخرى فقل فيها عددنا وقلت فيها أموالنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذروها ذميمة».
قال الشيخ: قد يحتمل أن يكون إنما أمرهم بتركها والتحول عنها إبطالًا لما وقع في نفوسهم من أن المكروه إنما أصابهم بسبب الدار وسكناها فإذا تحولوا عنها انقطعت مادة ذلك الوهم وزال ما كان خامرهم من الشبهة فيها والله أعلم.

.كتاب الأطعمة:

.باب ما جاء في إجابة الدعوة:

قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها».
قال الشيخ: إجابة الدعوة في الوليمة خصوصًا واجبة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها ولما في إتيان الوليمة من إعلان النكاح والإشادة به وعلى هذا يتأول قول أبي هريرة من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله، فأما سائر الدعوات فليست كذلك ولا يحرج المرء بالتخلف عنها وقد دعي بعض العلماء فلم يجب فقيل له إن السلف كانوا يدعون فيجيبون، فقال كانوا يدعون للمؤاخاة والمؤاساة وأنتم اليوم تدعون للمباهاة والمكافأة.

.ومن باب الضيافة:

قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن سعيد المقبري، عَن أبي شريح الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام وما بعد ذلك فهو صدقة ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه».
قال الشيخ: قوله: «جائزته يوم وليلة» سئل مالك بن أنس عنه فقال يكرمه ويتحفه ويخصه ويحفظه يومًا وليلة وثلاثة أيام ضيافة.
قلت: يريد أنه يتكلف له في اليوم الأول بما اتسع له من بر وألطاف ويقدم له في اليوم الثاني والثالث ما كان بحضرته ولا يزيد على عادته وما كان بعد الثلاث فهو صدقة ومعروف إن شاء فعل وإن شاء ترك.
وقوله: «لا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه»، يريد أنه لا يحل للضيف أن يقيم عنده بعد الثلاث من غير استدعاء منه حتى يضيق صدره فيبطل أجره. وأصل الحرج الضيق.
قال أبو داود: حدثنا مسدد وخلف بن هشام المنقري قالا: حَدَّثنا أبو عَوانة عن منصور عن عامر، عَن أبي كريمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليلة الضيف حق على كل مسلم فمن أصبح بفنائه فهو عليه دين إن شاء اقتضى وإن شاء ترك».
قال الشيخ: وجه ذلك أنه رآها حقًا من طريق المعروف والعادة المحمودة ولم يزل قرى الضيف وحسن القيام عليه من شيم الكرام وعادات الصالحين، ومنع القرى مذموم على الألسن وصاحبه ملوم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه».
قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثني أبو الجودي عن سعيد بن أبي المهاجر عن المقدام أبي كريمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما رجل ضاف قومًا فأصبح الضيف محرومًا فإن نصره حق على كل مسلم حتى يأخذ بقرى ليلة من زرعه وماله».
قال الشيخ: يشبه أن يكون هذا في المضطر الذي لا يجد ما يطعمه ويخاف التلف على نفسه من الجوع فإذا كان بهذه الصفة كان له أن يتناول من مال أخيه ما يقيم به نفسه، وإذا فعل ذلك فقد اختلف الناس فيما يلزمه له، فذهب بعضهم إلى أنه يؤدي إليه قيمته وهذا يشبه مذاهب الشافعي. وقال آخرون لا يلزمه له قيمة، وذهب إلى هذا القول نفر من أصحاب الحديث واحتجوا بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه جلب لرسول الله صلى الله عليه وسلم لبنًا من غنم لرجل من قريش له فيها عبد يرعاها وصاحبها غائب وشربه صلى الله عليه وسلم وذلك في مخرجه من مكة إلى المدينة.
واحتجوا أيضًا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من دخل حائطًا فليأكل منه ولا يتخذ خُبنة».
وعن الحسن أنه قال إذا مر الرجل بالإبل وهو عطشان صاح برب الإبل ثلاثًا فإن أجابه وإلا حلب وشرب.
وقال زيد بن أسلم ذكروا الرجل يضطر إلى الميتة وإلى مال المسلم، فقال يأكل الميتة، قال عبد الله بن دينار يأكل من مال الرجل المسلم، فقال سعيد أصبت إن الميتة تحل له إذا اضطر إليه ولا يحل له مال المسلم.